Loading Offers..
Loading Offers..

لماذا يرحّل الأردن اللاجئين السوريين؟.. موقع "أتلانتيك" يكشف الأسباب

سلط موقع "أتلانتيك" الأميركي الجمعة 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 الضوء على المعاناة التي يشعر بها اللاجئون السوريون في الأردن في الفترة الأخيرة، كما رصد عدد من الحالات التي تم اعتقالها في عمان لأسباب تبدو واهية مما أثار التساؤل حول السبب وراء إجبار الأردن السوريين على العودة إلى بلادهم.


وأجرى الموقع الأميركي مقابلة مع أقرباء أحد الأشخاص الذين تم القبض عليهم في الأردن ويعاني بعضهم من هذا الإجراء حتى الآن ومنهم شقيق رنا التي كان من المفترض أن شقيقها ذاهب إلى كندا بعد أربعة أعوام أمضاها كلاجئ في الأردن، ولكن في اللحظات الأخيرة وقبل إقلاع طائرته إلى موطنه الجديد بساعات تم اعتقاله.

وبحسب الموقع الأميركي، أكمل الشاب السوري البالغ من العمر 35 عاماً جميع الفحوص الأمنية والمقابلات مع وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وخدمات إعادة التوطين تحضيراً لرحلته إلى وطنه الجديد. وكان من المقرر أن تغادر رحلته حوالي الساعة 9:00 مساءً ليلة 29 يناير/كانون الثاني 2016. وبدلاً من ذلك، بحلول الساعة 8:00، كان هو وأسرته قابعين داخل زنزانة احتجاز أردنية، وباتت دقات قلوبهم تتسارع مع كل ثانية تمر.

وتعيش رنا التي تبلغ من العمر 29 عاماً ولديها طفلان في الأردن منذ عام 2012. وقبل عدة أشهر، اختفى زوجها في أحد سجون النظام السوري بعد إصابته في انفجار سيارة مفخخة. وغادرت محافظة درعا في جنوب سوريا حيث بدأت الثورة نظام بشار الأسد في بادئ الأمر، فيما بقيت شقيقتها في إحدى المناطق التي يسيطر عليها النظام.

وراقبت الأختان نفسيهما بينما كانتا تتحدثان عبر الهاتف خوفاً من المراقبة السورية أو الأردنية. "وكان كل حديثنا يتمثل في التالي "مرحباً، كيف حالك، هل لديك أي أخبار؟ الحمد لله، وداعاً"، حسبما أخبرتني رنا عبر واتساب، بحسب الموقع الأميركي.

واستقبل الأردن على مدار عقود ملايين اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين، مما أكسبه سمعة بأنه جزيرة السلام، ويستضيف الأردن حالياً ما يزيد على 650,000 من بين 5.2 مليون لاجئ سوري انتشروا عبر المنطقة، طبقاً لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.


وكان الأردن قد أعلن أن عدد اللاجئين السوريين في البلاد هو 1.3 مليون لاجئ، وتيتبر نفسه، على حد قول الاتجاه العام، مستقراً وآمناً وسخياً، وهو أيضاً السبب في أن الدول المانحة مثل الولايات المتحدة ينبغي أن تستمر في إعطائه المال. ومع ذلك، يقوم الأردن بترحيل ومنع دخول المساعدات إلى اللاجئين بالإضافة إلى هؤلاء الذين يسعون للحصول على حق اللجوء، مخالفين المبادئ الإنسانية الأساسية بشكل منتظم، وكل هذا يأتي تحت مسمى الحفاظ على "الأمن".

ترحيل شقيق رنا

وبالعودة إلى قصة شقيق رنا، قال الموقع الأميركي جاءت الاستخبارات الأردنية إلى منزلها وألقت القبض على جميع أفراد أسرتها البالغ عددهم 17 فرداً من بينهم 7 أطفال. وبينما اقترب موعد طائرة شقيقها، توسلت رنا بالنيابة عنه. وقالت "أخبرناهم، "إن شقيقي ذاهب إلى كندا، دعوه يذهب وحسب، وسنعود إلى سوريا" لكنهم رفضوا. ومضى الوقت حتى وصلت الساعة 9:00 وغادرت الطائرة". وكان التوضيح الوحيد الذي قدمه الأردنيون، حسبما ذكرت رنا، يتمثل في أن السوريين "تحدثوا إلى داعش".


وفي صباح اليوم التالي، جرى ترحيل رنا وأسرتها إلى جنوب سوريا، وهي منطقة حرب لا يوجد بها ماء يكفي أو كهرباء أو رعاية صحية أو أي سبيل للنجاة. وعندما تحدثنا، قالت أنها كانت تقيم في منزل عمها لأن منزلها القديم دُمِر خلال الضربات الجوية. وأضافت "لقد دمرونا"، بحسب الموقع الأميركي.

وفي بداية الثورة السورية، سمح الأردن لمئات الآلاف من اللاجئين بعبور حدودها سيراً على الأقدام ووفرت لهم ملاذاً آمناً . ولكن منذ عام 2012 مارست عمّان سياسة "القبول الانتقائي" للاجئين وعلى مدار الأزمة الطويلة، كان الحفاظ على الأمن مبرراً للأردن لمنع وترحيل عدد متزايد من السوريين


وكانت عمان وفي يونيو/حزيران 2016، أغلقت حدودها مع سوريا بعد انفجار سيارة مفخخة بالقرب من أحد المعابر مما تسبب في مقتل ستة أردنيين. وفي مطلع هذا الشهر، ذكرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان Human Rights Watch أن متوسط اللاجئين السوريين الذين يقوم الأردن بترحيلهم وصل إلى 400 لاجئ سوري كل شهر في عام 2017، وهو ما يمثل تصاعداً فيما يُعرف باسم الإعادة القسرية أو العودة الإجبارية، رغم منعه دولياً بحسب الموقع الأميركي.


وقال جيف كريسب، أحد خبراء الهجرة والرئيس السابق لوضع السياسات والتقييم بوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن منع العودة القسرية يعد ركناً أساسياً من نظام حماية اللاجئين بعد محرقة الهولوكوست. وصرح كريسب "لسوء الحظ أن هذا المبدأ يتعرض بشكل متزايد للانتهاك من قبل الدول، وتعجز الأمم المتحدة عن إيقافهم عن القيام بذلك" مضيفاً أن المخاطر التي يتعرض لها العائدون في سوريا أكبر بكثير في ظل العنف المستمر وانتهاكات حقوق الإنسان هناك، بحسب الموقع الأميركي.

الهروب من الحرب

ويعود عدد صغير من السوريين الذين هربوا من الحرب في الوقت الحالي إلى درعا طواعيةً: وصل العدد إلى 1,830 شخص في يوليو/تموز وأغسطس/آب ومع ذلك، بالنسبة لمعظم المشردين السوريين، يعتبر الحديث حول وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب مجرد ادعاء أجوف.


في الجنوب الشرقي، حيث لا يوجد تفعيل لوقف إطلاق النار، تتقدم قوات النظام السوري، مسيطرة على سلسلة من النقاط الحدودية بالقرب من الحدود الأردنية والعراقية، ما تسبب في تشريد آلاف المدنيين مرة أخرى. وفي مناطق المعارضة مثل إدلب، يستمر النظام السوري والطائرات الروسية في قصف المستشفيات حيث تشن ضربات جوية على مناطق من المفترض أنها تخضع لحماية عمليات منفصلة من وقف إطلاق النار، بحسب الموقع الأميركي.


ووسط الأعمال العدائية المستمرة، تجمع عشرات الآلاف من السوريين في مخيمات صحراوية في منطقة تفصل بين الأراضي على الحدود بين سوريا والأردن والتي يُطلق عليها "بيرم" أو الجدار الرملي، ومُنِعوا من الدخول إلى الأردن لكنهم خائفون من العودة إلى سوريا. وعندما أغلق الأردن الحد، منع بذلك وصول المساعدات الإنسانية المباشرة إلى بيرم وتركهم محاصرين هناك وبحوزتهم القليل من الطعام والماء والمساعدات الطبية.


جحيم العودة

وبحسب الموقع الأميركي عندما يتحدث السوريون عن العودة، يستخدمون الفعل " Qadhaf" "قذف" الذي يعني حرفياً القذف أو إطلاق النار، مثل قذيفة المدفع. بالنسبة لهم، هناك فارق طفيف بين العودة قسراً أو طوعاً. وحتى العائدون طوعاً يفضلون الحديث عن العودة بصيغة الغائب كما لو كان الخيار ليس بأيديهم.


غالباً ما يكون الخط الفاصل بين العودة الطوعية والعودة القسرية مبهماً. إذ يُرحل بعض اللاجئين قسراً، ومن ثم تلحق بهم عائلاتهم بسبب فقدانهم لمصدر دخلهم، والذين يُسجلون فيما بعد تحت بند العودة "الطوعية". وتقوم مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين بالالتقاء مع العائدين طوعاً، في محاولة لتقديم النصح والمشورة للسوريين قبل عودتهم، وحثهم على عدم العودة، وذاك حسب منظمة هيومن رايتس ووتش. إلا أن بعض السوريين لا يتواصلون مع المنظمات الإنسانية من الأساس.


يقول أبو سمير، البالغ من العمر 30 عاماً من مدينة درعا، والذي قاتل من قبل في صفوف الجيش السوري الحر، أنه اصطحب زوجته وابنته البالغة من العمر 6 أشهر إلى الأردن في مايو/أيار من عام 2016، بعد أن تعرض منزله للقصف، وتعرض ثلاثتهم للإصابة. وقد سمحت لهم السلطات الأردنية بالبقاء في أراضيها لمدة 10 أيام لتلقي العلاج، ومن ثم، رحلتهم السلطات بعد انقضاء هذه المدة مباشرة من المستشفى، حتى قبل امتثالهم للشفاء، حسب ما ذكره أبو سمير.


أُعيد توطين الأسرة في درعا، وقال أبو سمير للموقع الأميركي، أنه لم يكن لدى المستشفى الموجود هناك المعدات المناسبة لعلاج ابنته. بعد إعادتهم بشهرين، تُوفيت الفتاة الصغيرة بسبب نزيف داخلي في الرأس. قال أبو سمير "إنهم يصرفون بعض مسكنات الألم فحسب. فقد كان هؤلاء الأطباء مجرد طلبة في كلية الطب في بداية الأزمة. إنهم يحاولون تخفيف المعاناة قدر المستطاع، ولكنها جهود غير كافية. إذ يتوجه المصابون إلى هناك، ويستمرون في النزيف حتى الموت". هناك مستشفيات أكثر تطوراً في دمشق، ولكنه وزوجته، لا يزالون يعانون من الإصابة، ولا يستطيعون الذهاب إلى هناك بسبب خلفية معارضته للنظام.


وجد العائدون الآخرون إلى الجنوب السوري منازلهم القديمة قد دُمرت. ويعيشون حالياً في ملاجئ مؤقتة مع غيرهم من النازحين الذين لا يستطيعون العودة إلى منازلهم الواقعة إما في مناطق تسيطر عليها الجماعات المتطرفة، وإما تسيطر عليها قوات النظام بالإضافة إلى عدم توافر المياه والكهرباء.


يُعد خيار العودة، خياراً لا رجعة فيه. فقد شدد المسؤولون الأردنيون، ومؤسسات الأمم المتحدة على أنه من سيعود إلى سوريا، لن يُسمح له بالدخول مرة أخرى إلى الأردن. وهو الخيار الذي يحلم به الكثير من السوريين، من أجل الشعور ولو بقدر ضئيل من الأمان، بحسب الموقع الأميركي.


وقال أحد السوريين من مدينة درعا مستهجناً "سوف أزرع الطماطم"، وذلك عندما سألته عن مدى قدرته على البقاء على قيد الحياة إذا ما قرر العودة. فقد عبر هذا الشخص الحدود إلى الأردن سيراً عام 2012، بعد أن اختفى اثنان من إخوته في مقرات احتجاز النظام واستقر به الحال في مدينة الزرقاء الصناعية بالقرب من عمان، وعمل في أحد المتاجر كي يعول نفسه. وقد حصل مؤخراً على درجة الماجستير في الأدب الإنكليزي، وانخرط في أعمال الترجمة للأجانب، بما فيهم الصحفيون، وهي طريقة التقائي به.

بالنسبة لكثير من السوريين، أصبح تقبلهم "لمصيرهم" هو الوسيلة الوحيدة للحفاظ على عقولهم. قال أحدهم "إننا نقول في قرارة أنفسنا، حسناً، هذا ما كتبه الله علينا. وهو ما يساعدنا على تخطي كل شيء". وأضاف "انظر إلى ما حدث في سوريا، بينما نحن نضحك ونلهو الآن، ونواصل حياتنا. ولكن إذا ما فكرنا بعمق فيما حدث، فهو يستحق الانتحار. وإذا فكرنا بعمق فيما فقدنا، قد أُقدم على قتل نفسي مرتين كل يوم. ولكن عندما أفكر أن كل ذلك خارج عن سيطرتي، أقول الحمد لله، ونتقبل الأمر"، بحسب الموقع الأميركي.

بالنسبة للآخرين، لا سيما هؤلاء الواقعين تحت الخطر المستمر، يكون اليأس هو الأمر المنطقي الوحيد لديهم. وقال رجل يبلغ من العمر 40 عاماً، عالقاً على الحدود السورية الأردنية، عن آلاف النازحين السوريين الجدد الذين فروا للتو من مخيم حدلات إلى مخيم الركبان، أكبر مخيمين على الحدود الأردنية.

قبل عدة سنوات، كان هذا الرجل عالم طيور، حسب ما قال. وكان يعمل في محمية طبيعية في صحراء سوريا الوسطى، تحتوي على أكثر من ألف واحدة من الغزلان والظباء العربية النادرة، وكان متخصصاً في تعقب طائر أبو منجل الأصلع المعرض للانقراض، والذي هاجر من الشام إلى الخليج إلى وسط إفريقيا. إلا أنه اضطر إلى الفرار من مدينة تدمر إلى الرقة، ومن ثم إلى مخيم الركبان، والذي يعيش فيه أطفاله الستة وزوجته، إلى جانب ما لا يقل عن 50 ألف نازح في خيام ومآوي طينية. وانقرض أبو منجل الأصلع من الشرق الأوسط منذ ذلك الحين.

قال عالم الطيور "لقد كانت وظيفة رائعة جداً". وأضاف "أما الآن، فأنا أقرب إلى سجين ليس له وظيفة. لقد أصبحت لاجئ، أنا مجرد رقم"، بحسب الموقع الأميركي.