Loading Offers..
Loading Offers..

هل تستعيد القاهرة وجهها الباريسي؟.. المدرعات والفن في ممر "بهلر" التاريخي لإعادة حلم الخديوي

الوجه الباريسي للعاصمة المصرية يجاهد ليعود إلى القاهرة الخديوية المثقلة بازدحام شوارعها واحتلال الباعة الجائلين لها، مبددين حلم مؤسسها الخديوي إسماعيل بأن يجعلها باريس جديدة في قلب الشرق.

مشهد العديد من شوارع القاهرة الخديوية المزدحمة بالباعة الجائلين ببسطاتهم المتواضعة وبضاعتهم الزهيدة التي تقلل من وطأة الأسعار المرتفعة على المصريين، لم يكن بالتأكيد ليسعد الخديوي إسماعيل الذي كان متيماً بجعل مصر قطعة من أوروبا حتى اتهم بأنه أغرق البلاد بالديون في محاولته لتحقيق هذا الحلم.

وتبدو مهمة استعادة الشكل الأصلي لمنطقة وسط البلد، كما شيدها الخديوي الحالم الذي استقدم الفرنسي "هاوسمان" مخطط باريس لتصميم القاهرة الخديوية، ليست بالسهلة بعد أن توطن فيها هؤلاء الباعة بأعداد هائلة، وبعد أن ارتبطت أرزاقهم بنمط الحياة المكتظ المشوب بالفوضى.




أدوات التطوير: الفن والمدرعات





ممر "بهلر" أحد الأماكن المميزة في منطقة وسط البلد شهد محاولة لتطبيق خطة لتطوير وحماية القاهرة التراثية جمعت بين استخدام الفنون والحسم الأمني، فانتشرت المدرعات والفرق الفنية كتفاً بكتف في محاولة لاستعادة الرونق الحضاري والتاريخي الميز لهذا الممر الذي اشتهر بالطراز والنمط الباريسي.

بدأت التجربة بعد إصدار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً عام 2016 بتشكيل اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية برئاسة المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية.

وبدأت اللجنة بالتعاون مع المجتمع المدني وقطاع البنوك حملتها والتي تهدف إلى تطوير وتجميل وإحياء التراث في مناطق وسط العاصمة المصرية، وبالتحديد من كوبري قصر النيل حتى ميدان العتبة، لتصل مؤخراً لتطوير ممر "بهلر" التاريخي الذي تعمل على تحويله لساحة مفتوحة للمواهب والفنون.




بهلر.. حلم الشارع الباريسي الشهير







s



ممر بهلر هو ممر تجاري شهير يصل بين شارعي طلعت حرب وقصر النيل بوسط القاهرة، ويحمل اسم تشارلز بهلر (1868-1937)، وهو رجل أعمال سويسري الجنسية ومؤسس وصاحب سلسلة فنادق وعقارات بمدينة القاهرة، ومنها أشهر ممر وعمارة وفندق، في وسط البلد، وقد ارتبط اسمه بتاريخ القاهرة الحضاري.

كان "بهلر" يمتلك فندق سافوي، الذي يطل على ميدان سليمان باشا (طلعت حرب) حاليا، فقرر هدمه عام 1924 ليقوم ببناء مبنى سكني وتجاري عملاق واختار مهندساً فرنسياً لتصميمه على غرار اختيار الخديوي لمصمم فرنسي من قبل لتخطيط المدينة برمتها.

احتوى المبنى الجديد على العشرات من الشقق السكنية الفاخرة والمحلات التجارية باريسية الطراز، وضم أيضاً ممراً تجارياً أطلق عليه ممر بهلر، به محلات راقية تقدم أحدث صيحات الموضة العالمية ومعارض فنية تعرض أعمال كبار الفنانين.

وكان الممر نسخة مصغرة من شارع "رو دي ريفولي" التجاري الشهير في باريس، وبقي الممر حاملاً اسمه يردده الناس لكن أغلبهم لا يعرفون صاحبه.





"التحدي الأصعب"





بدأت عمليات تطوير منطقة وسط القاهرة منذ ديسمبر/كانون الأول 2016، والتي شملت تطوير البنايات وطلائها كما كانت عليه فى القرن الماضي مع الحفاظ على هويتها التراثية المميزة بجانب عمليات النظافة والتشجير وإزالة جميع المخلفات ونقل الباعة الجائلين.


التمويل لعمليات تطوير وتجميل منطقة وسط القاهرة توفر بدعم من اتحاد بنوك مصر وبعض الشركات الخاصة ورجال الأعمال وتضمن 3 مراحل، ومن المقرر أن تنتهي بعد تطوير وتجميل أكثر من 500 عقار.


عملية نقل الباعة الجائلين من منطقة وسط البلد بما فيها ممر بهلر، وشوارع 26 يوليو وطلعت حرب وقصر النيل كانت بمثابة التحدي الأكبر والأهم أمام عمليات التطوير لما يسببونه من ازدحام وفوضى ومخالفات تعرقل استعادة هوية القاهرة كـ"عاصمة الشرق" ، بعد أن تحولت المنطقة لما هو أشبه بسوق شعبي.


هذا الوضع دفع الحكومة لنقل الباعة عنوة، قبل البدء فى عمليات التطوير وتحديداً فى 24 أغسطس/آب 2015 إلى سوق جديد فى جراج "الترجمان" شمال القاهرة، وهو ما جعل الباعة يعلنون رفضهم للقرار، إلا أن الحكومة أصرت على تنفيذه ووضعت سيارات ومدرعات وعناصر شرطية في مناطق وشوارع وسط القاهرة لمنع عودتهم مرة أخرى.




كما كان منذ أكثر من قرن.. كيف عاد ممر بهلر معرضاً للفنون!؟





فكرة تحويل ممر بهلر لمعرض الفنون جاءت بعد الانتهاء من تطوير وتجميل الممر وافتتاحه في بداية يناير/كانون الثاني 2018 بحضور المهندس عاطف عبد الحميد محافظ القاهرة، حينما قدمت فرقة حسب الله عروضها الفنية خلال الافتتاح.

هذه العروض دفعت الحكومة للتفكير جدياً في إعادة إحياء الممر وجعله منطقة للفنون كما كان عليه منذ أكثر من قرن، وذلك حسب الدكتورة ريهام عرام مدير إدارة الحفاظ على التراث بمحافظة القاهرة.

اتخاذ القرار بتحويل الممر إلى منطقة للفعاليات الفنية والثقافية تمت ترجمته على أرض الواقع سريعاً؛ لتعلن مؤسسة الحوار لفنون ثقافات الشعوب برئاسة المخرج انتصار عبد الفتاح بدء فعاليات فنية وثقافية مختلفة على مدار خمسة أيام بدءاً من الجمعة 9 فبراير/شباط 2017 وحتى الثلاثاء 13 من الشهر ذاته.




كيف اجتمع الصوفيون والأقباط؟






الثقافة والفنون الشرقية والغربية التي طالما التقت في العاصمة المصرية التي تتجاور فيها الأحياء الإسلامية مع الأحياء ذات المعمار الغربي بالقاهرة الخديوية اجتمعت مجدداً في الفعاليات الفنية التي أقيمت في ممر بهلر التاريخي.

وشملت الفعاليات في اليوم الأول الجمعة 9 فبراير/شباط 2017، عروضاً فنية جمعت الفنين القبطي والإسلامي؛ فاستمتع الحضور بالإنشاد الإسلامي في حب رسول الله محمد، كما استمعوا لفرقتي التراتيل والألحان القبطية.

ولَم يقتصر الأمر على تتابع الأعمال الإسلامية والمسيحية بل اندمجت معاً في عمل واحد مثلما حدث في أنشودة "عودي يا ليالي الرضا للأنس الذي قد مضى" التي جمعت المنشد حسين بيومي مع الترانيم القبطية وفرقة أكابيلا الإندونسية للإنشاد في مشهد نادر ظهر فيه المنشدون الصوفيون بملابسهم البيضاء إلى جانب أعضاء الفرقة القبطية بأرديتهم المزينة بالصلبان والفرقة الإندونيسية بأزيائها الوطنية المميزة في مشهد لافت تلاقت فيه ثلاثة مذاقات موسيقية ودينية مختلفة نادراً ما تجتمع في مكان آخر.









وفي اليوم الثاني للمهرجان، استمع الجمهور لفرقة الآلات الشعبية المصرية وقرع الطبول النوبية المميز القادمة من أقصى جنوب مصر وموسيقى الفلامنكو الإسبانية، وصولو الفيولينة، وفرقة أوسكاريزما للموسيقى النحاسية.









فعاليات اليوم الثالث الأحد 11 فبراير/شباط ،2017 شملت مسرح الحقيبة وفرقة الطبول النوبية وفرقة الآلات الشعبية والأداء التمثيلي لبعض الفنانين.

المهرجان اجتذب حضوراً كبيراً ليس فقط من الجماهير التقليدية لمثل هذه الفنون بل أيضاً من الجمهور المصري العادي الذي أثارت هذه الخلطة الثقافية المتنوعة إعجابه، وخاصة أن الفعاليات تقام في منطقة يرتادها الناس أصلاً، كما يقول الدكتور أحمد علي أحد الحاضرين للمهرجان.

ويضيف علي لـ "هاف بوست عربي"، إن أبرز ما يميز هذه الفعاليات أنها في ممر تاريخي هام معماره مميز بجانب أن الحضور مجاني دون دفع أي تكاليف وهو ما يتيح للمصريين والسياح الأجانب الاستمتاع بالفنون والثقافات المختلفة في قلب القاهرة.




الإندونيسيون يغنون بالفصحى





فرقة إندونيسيا للإنشاد نالت إعجاب الحاضرين بأدائها المميز في مديح رسول الله بلغة عربية فصحى سليمة؛ وقد جاءت الفرقة بدعوى وتنسيق من إدارة الحفاظ على التراث بمحافظة القاهرة.









واختتم المهرجان الثلاثاء 13 فبراير/شباط 2017 بفرقة براس ساوند للموسيقى النحاسية وفرقة إندونيسية للآلات الشعبية وذلك بالاشتراك مع فرقة الطبول النوبية وفرقة الآلات الشعبية المصرية.

الصدى الإيجابي الذي لاقاه المهرجان فتح شهية المسؤولين المصريين للمزيد، إذ ذكرت مديرة الإدارة العامة للحفاظ على التراث بمحافظة القاهرة أن المحافظة ستتيح تقديم العروض الفنية بممر "بهلر" بصفة دورية، قائلة "المجال مفتوح لأية مؤسسة ثقافية للتنسيق مع إدارة الحفاظ على التراث بالمحافظة لتقديم العروض المختلفة، وندرس حالياً التنسيق مع جامعة حلوان لتقديم محاضرات ومعارض للرسامين من طلبة الجامعة بالممر، وجارٍ الاتفاق مع أصحاب المحلات".

ويبدو أن تجربة ممر بهلر ماهي إلا خطوة أولية في محاولة طويلة لاستعادة وجه القاهرة الخديوية الباريسي، محاولة استعانت فيها السلطات المصرية بالفن والمدرعات معاً، ولعل هذه الخطة الطموحة تريح الخديوي إسماعيل في قبره بعد أن كادت معالم قاهرته تختفي تحت وطأة أقدام الباعة الجائلين وزبائنهم