Loading Offers..
Loading Offers..

تعرُّضك للعنصرية لا يؤذيك نفسياً فقط.. يقصر العمر ويؤدي إلى الوفاة المبكرة

بعد حصوله على درجة جامعة من جامعة ييل ودرجة القانون من كولمبيا، كان كلايد ميرفي أحد كبار محامي الحقوق المدنية في أميركا وزوجاً وأباً ناجحاً وعلى الرغم من حياته الحافلة فقد كانت نهايته حزينة!

في عام 2010، وفي عمر الـ 62، توفي كلايد من جلطة دموية في رئته، ولم تكن قصة كلايد فريدة من نوعها فقد توفي العديد من زملائه السود أيضاً في سن مبكرة نسبياً، وقد وجدت مقالة بحثية أن معدل الوفيات بين السود من دفعته الجامعية كان أعلى بثلاث مرات من متوسط عمر الوفاة للدفعة نفسها، وهذا مثير للاهتمام حسب ديفيد ويليامز أستاذ الصحة العامة في جامعة هارفرد، وهو أيضاً أستاذ الدراسات الإفريقية والأفرو-أميركية في قسم السوسيولجي بالجامعة ذاتها.

في المحاضرة التي قدمها ويليامز يقول أنه على مدى السنوات الـ 25 الماضية، كان مهتماً لفهم سبب تأثير مفهوم العرق على الصحة.







"عندما بدأت في مجال عملي، اعتقد كثيرون أن الأمر وبكل بساطة هو نتيجة للتفاوت ما بين الأعراق في ما يخص مستوى الدخل والتعليم. لكن اكتشفت أنه رغم تأثير الحالة الاقتصادية على الحالة الصحية إلا أنه هناك المزيد من الأمور الأخرى." يقول ويليامز

مثلاً إذا نظرنا إلى متوسط العمر المتوقع في سن 25، نجد أن هناك فارق بمعدل خمس سنوات ما بين البيض والسود.

ورغم أن مستوى التعليم يلعب دوراً في تحديد العمر المتوقع لكن الفارق العرقي يظل حاضراً بقوة، ففي كل مرحلة من مراحل التعليم نجد أن عمر البيض المتوقع أطول من عمر السود.

فالبيض الذين انسحبوا من دراسة الثانوية العامة يعيشون لما يقارب 3,4 سنوات أطول من نظرائهم السود، والفارق أكبر بكثير، على مستوى خريجي الجامعات، حسب ويليامز.

والأكثر دهشة من كل ما ذكر، هو أن البيض الذين أتموا دراسة مرحلة الثانوية العامة يعيشون لفترات أطول من نظائرهم السود الذين أتموا مرحلة الدراسة الجامعية، أو مراحل الدراسات العليا.

أظهرت البحوث أن الأماكن المعروفة بالتمييز العنصري مرتبطة باحتمال كبير بخطر الإصابة بمجموعة واسعة من الأمراض من ضغط الدم إلى السمنة في منطقة البطن وسرطان الثدي وأمراض القلب والشرايين وحتى خطر الوفاة المبكرة.

وبشكل مذهل، تتم ملاحظة بعض التأثيرات في سن مبكرة للغاية. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة حول المراهقين السود الذين قاموا بالإبلاغ عن تجارب حادة من العنصرية خلال مرحلة المراهقة عانوا من مستويات عالية من هرمونات التوتر، و ضغط الدم وزيادة في الوزن في سن العشرين. لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن الضغوطات الناتجة عن وطأة التمييز العنصري ليست إلا جانباً واحداً من جوانب متعددة.



العنصرية والدماغ





وقد سمحت تقنيات التصوير العصبي مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) للعلماء أن يدرسوا مباشرة تأثيرات أشكال الاستبعاد الاجتماعية مثل العنصرية على نشاط المخ.


وقد أظهرت العديد من الدراسات كيف تؤثر العنصرية مباشرة على أجزاء من الدماغ التي تتحكم في آليات البقاء على قيد الحياة (استجابة "القتال أو الهروب") جنباً إلى جنب مع المراكز التي تتحكم في التفكير على مستوى أعلى (القشرة الدماغية).

ومن خلال هذه المسارات، يمكن للعنصرية أن تؤدي إلى اختلالات في مستوى الكورتيزول (Cortisol هرمون التوتر) في الدماغ، وتضعف أداء مناطق الدماغ الأخرى مثل قشرة الفص الجبهي prefrontal cortex (التي يعتقد أنها تتحكم في الشخصية وصنع القرار والسلوك الاجتماعي) القشرة الحزامية الأمامية Anterior cingulate cortex (التي يعتقد أنها تتحكم في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، وكذلك العاطفة والتحكم بالنبض)، اللوزة الدماغية Amygdala (العواطف والذاكرة) والمهاد Thalamus (الوعي والنوم واليقظة).


هذه الآثار على الدماغ يمكن أن تؤدي إلى زيادة القلق، وتتفاقم مع تزايد التعرض لتجارب عنصرية أو ضغوط ذات طبيعة أخرى أيضاً، فضلاً عن الاكتئاب والأمراض النفسية المرتبطة بذلك.


وقد كشفت دراسة جديدة أن الدماغ البشري يستجيب بشكل مماثل لكل من حالات الصد العاطفي والألم الجسدي، فالعنصرية -رغم كونها ألماً معنوياً- فهي تشبه في تأثيرها صدمة في الوجه مثلاً.
وبخلاف العواطف والدماغ، فالعنصرية تسبب أضرار لأجزاء أخرى من الجسم مثل القلب، ونظام المناعة، ونظام التمثيل الغذائي وغير ذلك.

وهذه الأضرار تسبب نتائج صحية سلبية مثل الإصابة بالربو والسكري وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسمنة، وهذه التأثيرات تتراكم مما يجعل المشكلات الصحية تتفاقم أكثر.


وفي أستراليا، وجدت الدراسات أن التجارب المباشرة للعنصرية تسهم في مجموعة من النتائج الصحية المرتبطة بالحالة النفسي، مثل كونها تسبب الضيق النفسي والاكتئاب والتدخين والكحول وتعاطي المخدرات ومخاطر الانتحار وغيرها.




القيام بفعل عنصري يضرك أيضاَ!





بدأت البحوث تظهر الآن أن فعل العنصرية ذاته أي القيام بفعل عنصري ضد آخرين (بدلاً من التعرض للعنصرية) هو أيضاً سيئ لصحتك، ويتسبب بمشكلات نفسية وصحية، والنظرة السلبية للذات والتدخين، كما يمكن أن يكون للعنف العنصري آثار سلبية على الصحة مثل الضغط النفسي.


ووجدت الأبحاث الأخيرة في أستراليا أن التكلفة الاقتصادية السنوية للعنصرية في المساهمة في القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، واضطراب نفسي تستهلك أكثر من 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي في أستراليا.

إن تكاليف العنصرية مباشرة من حيث الصحة وغير مباشرة من حيث الآثار الاجتماعية والاقتصادية الضارة، فهناك أدلة واضحة على أن العنصرية قد تجعلنا مريضين كأفراد وكمجتمع.

وفي حين أن التشريع المناهض للتمييز لا يمكنه وحده أن يحد من مشكلة العنصرية في المجتمع، فإنه يضطلع بدور هام في تعزيز المعايير الاجتماعية المناهضة للعنصرية، ويوفر السبل المتاحة للضحايا للحصول على تعويض والعمل كرادع للجناة.